Archive for the ‘موضوعات دينية’ Category

الرحمن والرحيم

ماي 4, 2011

.. و نقول فی بيان الرحمن و الرحيم اعلم انّ الرحمة عبارة عن الفيض الالهی الشامل لجميع الموجودات و سعت رحمته کلّ شیء و انّها مصدر لجميع الممکنات من جميع الشؤون و الاطوار و الظواهر و الاسرار و الحقيقة و الوجود و الآثار و التعيّنات و القابليّات و التشخصّات من الغيب و الشهادة فی عالم الانوار. و انّها  تنقسم قسمين بالرحمة الذاتيّة الالهيّة و هی عبارة عن افاضة الوجود بالفيض الاقدس الأعلی فی جميع المراتب و المقامات الّتی لا نهاية لها للحقائق و الاعيان الثابتة فی حضرة العلم الذاتی الأعلی و بالرحمة الصفاتيّة الفائضة من الحضرة الرحمانيّة بالفيض المقدّس الأوّل  بحسب الاستعداد و القابليات المستفيضة من التجلّيات الظاهرة الباهرة فی أعيان الموجودات. و کلّ واحدة منهما تنحلّ الی رحمة عامّة . الّتی تساوت فيها الحقائق الموجودة من حيث الوجود العلمی و العينی و رحمة خاصّة ظهر برهانها و انکشفت أسرارها و اشتهرت آياتها و خفقت راياتها و تلألأت أنوارها و تموّجت  بحارها و طلعت شموسها و اکفهرّت نجومها و رقّ نسيمها و فاح شميمها و أضاء أفق مبينها فی  الحقائق النورانيّة الّتی استضائت و استفاضت و استنارت من الاشعّة الساطعة من شمس الحقيقة فی جميع الشؤون و الاطوار و الاحوال و الآثار. و بمثل هذا فانظر فی عالم التشريع و الظهور و الاشراق تری انّ الفيض الاقدس الخاصّ الّذی به وجود الهياکل القدسيّة و الکينونات المنزّهة اللطيفة الروحانيّة هو افاضة الهداية الکبری و ايقاد نار المحبّة الالهيّة الموقدة فی القلوب الصافية المشتعلة من النفس الرحمانی و المدد السبحانی و الفيض الالهی و الجود الصمدانی و تجد انّ الفيض المقدّس الربّانی هو افاضة الکمالات و الفيض الوجدانی و الصفات و الملکات و العطاء الروحانی و الخصائل و الفضائل الّتی  بها حيات العالم و نورانيّة سائر الأمم فهاتان الرحمتان الذاتيتان أی الخاصّة و العامّة. الصادرتان من الفيض الاقدس الالهی الذاتی مذکورتان فی البسملة الّتی فاتحة   الايجاد و افاضة الوجود للموجودات المجرّدة و المادّية و أمّا الرحمتان الصفاتيتان الخاصّة و العامّة. الصادرتان من الفيض المقدّس الصفاتی فهما مذکورتان فی الفاتحة الّتی هی بيان المحامد و النعوت الالهيّة. و بهذه کفاية لمن أراد ان يطّلع باسرار البسملة و الّا ليس لمعانيها بداية و نهاية و الروح و البهاء علی أهل الهداية و السلام

                                                مكاتيب عبدالبهاء المجلد 1صفحه 62:60

http://reference.bahai.org/ar/t/ab/

الروح

جانفي 26, 2011

لقد جئت إلى أوروبّا وباريس، فلاحظت أنّ أوروبّا بلغت في الأمور المادّيّة نهاية الرّقيّ. إلاّ أنّني لم أجد تأثير الأمور الرّوحانيّة ونفوذها متوفّرًا كما يليق وينبغي. لهذا وجدت من الضّروريّ أن نبحث اللّيلة في شأن الرّوح.

          الرّوح فيض إلهيّ أشرق على جميع الكائنات. فللكائنات جميعًا منها فيض ونصيب. مثلها مثل الشّمس الّتي تشرق على جميع الكائنات الأرضيّة. ذلك لأنّ جميع الأشياء الموجودة على كرة الأرض تنمو وتتربّى بفيض الشّمس، وتتلقّى النّور والضّياء منها. إلاّ أنّ هذا الفيض يظهر في كلّ رتبة على مقتضاها، فلشعاع الشّمس تأثير في الأجسام الصّخريّة إلاّ أنّ له في الأجسام الشّفافة ظهورًا وتجلّيًا آخر. وعلى الرّغم من أنّ الشّمس واحدة إلاّ أنّ ظهورها في الأجسام متنوّع.

          كذلك شأن الرّوح ، فظهورها في مراتب الوجود يتحقّق بمقتضى هذه المراتب. فهي في عالم الجماد قوّة جاذبة تحدث اجتماع الأجزاء الفرديّة. وهذه الحال هي حياة الجماد ذلك لأنّ الجماد في مرتبته حيّ أيضًا وليس ميتًا، وهي في عالم النّبات قوّة نامية وهي الرّوح النّباتية.

          وأمّا القوّة الحسّاسة في عالم الحيوان فهي الرّوح الحيوانيّة، وهذه القوّة الحسّاسة تتأتّى من تركيب العناصر وامتزاجها، وهي من مقتضيات الامتزاج والتّركيب.

          وأمّا في عالم الإنسان فالرّوح كيفية تنبعث أيضًا من تركيب العناصر إلاّ أنّه تنضمّ إليها النّفس النّاطقة والقوّة العاقلة. وهذه الرّوح الإنسانيّة أي النّفس النّاطقة محيطة بالأشياء ومدركة وكاشفة لها، فهي تنقل أسرار الكائنات من حير الغيب إلى حيّز الشّهود. وهذه هي القوّة الّتي تأتي بجميع الصّنائع والعلوم والفنون المادّيّة من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود، وبالرّغم من أن هذه القوّة غير محسوسة لا ترى بالحواس الظّاهرة إلاّ أنّها تدرك بالحواس الباطنة.

          غير أنّ هذه الرّوح ليست هي المقصودة بالرّوح في عرف الرّوحانيّين وإنّما المقصود هو الرّوح الأبديّة أي الحياة الإيمانيّة، تلك هي الرّوح الّتي يشير إليها السّيّد المسيح قائلاً يجب أن يتعمّد بها الإنسان، وما لم يتعمّد بها فلن يدخل في الملكوت الإلهيّ، كذلك يتفضّل في الإنجيل بقوله: “إنّ المولود من الجسد هو جسد والمولود من الرّوح هو الرّوح”، وكذلك يتفضّل بقوله: “دع الموتى يدفنون موتاهم” ذلك لأنّ الّذين لا يؤمنون بالله محرومون من الرّوح الإيمانيّة الحقيقة وإن توفّرت لهم الرّوح الإنسانيّة، ولهذا فهم في حكم الأموات، إذ على الرّغم من أنّهم يحيون حياتهم النّاسوتية إلاّ أنّهم محرومون من الحياة الملكوتيّة.

          وقد بُعث الأنبياء كي يحيوا الرّوح الإنسانيّة بالرّوح الملكوتيّة فهذه الرّوح هي سبب سعادة العالم الإنسانيّ وهذه الرّوح هي سبب الحياة الأبديّة. وهذه الرّوح هي سبب السّعادة السّرمديّة، وهذه الرّوح هي سبب الدّخول إلى ملكوت الله. وهذه الرّوح هي الّتي تجعل الإنسان النّاسوتي لاهوتيًّا. وهذه الرّوح هي الّتي تحوّل الظّلمانيّ إلى النّورانيّ. فإذا تأيّدت هذه الرّوح بنفثات الرّوح القدس صار لها نفوذ وأحيت العالم، وحوّلت العالم الإنسانيّ إلى عالم سماويّ، وجعلت الجاهل عالمًا، وبدّلت الظّلمات نورًا، وعمّمت التّعاليم الإلهيّة ونشرت شريعة الله، وروّجت أوامر أورشليم الإلهيّة النّازلة من السّماء. وهذه الرّوح هي الّتي تجعل الإنسان الأرضيّ إنسانًا سماويًّا.

          ولمّا كانت جميع المظاهر الإلهيّة مؤيّدة بهذه الرّوح فهي إذًا واحدة وحقيقة تعاليمها واحدة بفضل هذه الرّوح. ذلك لأنّ الرّوح القدس واحدة. فالإنسان مهما ارتقى في الأمور المادّيّة وظلّ محرومًا من الفيض الأبديّ أي من الرّوح الإيمانيّة فإنّه لا يعدو أن يكون قد ارتقى في الرّتبة الحيوانيّة، ولا يمكن أن يسمّى إنسانًا. ذلك لأنّ الإنسان مثال إلهيّ، كما ورد في التّوراة قوله نخلق إنسانًا على صورتنا ومثالنا.

          ثبت إذن وتحقّق أنّ الإنسان الحقيقيّ صورة ومثال إلهيّ، بمعنى أنّه يستفيض من جميع الكمالات الإلهيّة. وهذا الإنسان مثله مثل المرآة، والفيوضات الإلهيّة مثلها مثل أشعّة الشّمس، فالكمالات الإلهيّة أي جميع الأسماء والصّفات الكماليّة تتجلّى في هذه المرآة. وهذا الإنسان هو مركز الرّوحانيّة كما أنّ الشّمس مركز نور العالم المادّيّ وهذه النّفس المباركة تنفخ الحياة في القلوب أيضًا أي أنّها تجعل النّاس روحانيّين فتتجلّى فيوضات الرّوح في القلوب. وهذه النّفس المباركة هي المعلّم الأوّل للعالم الإنسانيّ، والمتجلّي الأوّل على الممكنات.

          وأنتم تلاحظون أنّ هذه النّفس المباركة ظهرت منذ ألفي سنة وما زالت آثارها ظاهرة إلى اليوم وموجودة، وظهرت منذ ثلاثة آلاف سنة وما زالت آثارها باهرة. وبالرّغم من أنّ هذ الآثار لا تشاهد في عالم الأجسام إلا أنّها موجودة في حيّز الملكوت. ولهذا فآثارها باهرة وأنوارها ساطعة. والشّيء المنعدم لا أثر له. ومن المحقّق أنّ هذه الآثار الباهرة المأثورة هي من نتائج الوجود. إذ لا تأثير للشّيء المعدوم. إنّ هذه الآثار الباهرة الّتي بقيت بفضل هذه النّفوس الكاملة دليل على وجود تلك النّفوس، وعلى أنّ لها حياة ملكوتيّة وكمالات إلهيّة.

          فيجب علينا إذن أن نصبح جميعًا روحانيّين، سماويّين، ربّانيّين. إذ مهما ارتقينا في عالم الطّبيعة والمادّيّات إلاّ أنّنا ما نزال ناقصين حتّى ينضمّ هذا الرّقيّ إلى التّرقّيات الرّوحانيّة. والجسد مهما بلغ من الجمال غاية فإنّه لا يزال بلا ثمر إذا حرم من الرّوح. والإنسان مهما توفر له من الرّقي المادّيّ فإنّه يظلّ بلا نتيجة إذا حرم من الرّوح الملكوتيّة. وكما أنّ البلّور مهما بلغ من اللّطف والشّفافية فإنّه يبقى عديم الفائدة إذا فقد النّور والشّجرة إن توفّرت لها الطّراوة والخضرة وعدمت الثّمر لم تصلح إلاّ للنّار. والآدميّ إن توفّرت له صورة الإنسان وحرم من نفس الرّحمن لا يعدّ إنسانًا وغاية أمره أنه بلغ مرتبة الحيوان الكامل، وانطبق عليه ما قاله داروين الفيلسوف الإنجليزي من أنّ الإنسان من سلالة القرود.

          إنّني مسرور بكم. ذلك لأنّني أرى فيكم إحساسات، فأنتم أحياء متحرّكون ولستم خاملين، وأنتم متوجّهون إلى الله ولستم قانطين من رحمته ومنتظرون للفيوضات الإلهيّة. وآمل أن يكون كلّ فرد منكم مستنيرًا بالنّور الملكوتيّ حتّى تنيروا الآفاق جميعًا كهذا المصباح بإذن الله.

منقول من خطب حضرة عبد البهاء باوروبا عام 1911

 

الصلح والوحدة والاتحاد

جانفي 14, 2011

 

إن العبادة حس فطري وذاتي لدى الجنس البشري بل أن الإنسان البدائي في الأزمنة السالفه والذي عاش في الكهوف وكان في غاية الوحشية والبدوية لم يكن فاقدا لهذا الإحساس، وقد أظهر من استعداده وإدراكه على أن فطرته تدرك هذا الحس بطرق مختلفة فعبد حينا الشمس وتارة النجوم و غيرها باعتبارها أقوى منه وتشعره بعجزه .

 ولو أمعنا النظر نلاحظ بأن البشرية لم تنل أى قسط من الرفاهية أو السعادة أو الاتحاد إلا  في ظل واحدة من الرسالات الإلهية  وما تحقق ذلك إلا في ظل التعاليم الإلهية ، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يبعث من بين خلقه نفوسا مختارة في كل فترة زمنية حيث يتولوا مهمة تربية وتهذيب البشر روحانيا وخلقيا ولذلك ظهرت أديانا مختلفة و متعددة .وقد تجلى الله بظهوره في كل دور حسب استعداد وقدرة العباد وتزايد هذا التجلي بالتدريج كالشمس عندما تكون في بداية السطوع تبدو حرارتها قليلة وتتدرج بالازدياد كي  تأنس الأشياء بالحرارة وعندما تصل إلى الزوال تصل الحرارة إلى ذروتها ثم تعرج إلى المغيب تدريجيا وهذه من الحكم الإلهية لأنها لو ظهرت منذ بداية سطوعها بالحرارة الشديدة لاحترقت الأشياء وأضيرت بها. وأكبر دليل على ذلك هو نزول القرآن الكريم بأحكامه خلال ثلاثة وعشرين عاما .

والمجتمع الإنساني قد تأهل الآن للوصول إلى مرحلة بلوغ العقل نابذا وراءه الأعمال الطفولية وشقاوتها و تاركا الحروب والحركات الصبيانية المتسمة بالغرور .

ربما يخطر على بعض الأذهان أن الوحدة و الاتحاد والصلح و السلام أمور شبه محالة لأن البشر اعتادوا على الحرب وسيظلون كذلك ولكن ما يجب أن ندركه  أن الإنسان في السابق كان محدود الفكر كما وأن الوحدة الكاملة للجامعة الإنسانية لم يكن قد حان وقتها.

 فإننا لو ألقينا نظرة على التاريخ البشرى نجد أن البشرية كانت دائما في حالة حرب كما وكأنها خلقت لذلك حتى أن تربية أبناء الوطن كانت مبنية على أساس الحرب وسفك الدماء وإن تنفست البشرية الصعداء من الحرب فترة من الزمن فهي بسبب تجديد القوى كي تبدأ الحرب من جديد ولم يجد الصلح مدافعا عنه .

لو ترك الإنسان دون تربية ودون ترقية لعواطفه الإنسانية والجوانب الروحية فهو بلا شك سوف يتبع غرائزه الحيوانية .ولا يمكن تربية الإنسان واكتساب الكمالات الروحانية إلا من خلال الرسل والأنبياء القادرين على تحقيق الصلح والوحدة وتحقق كمال عالم الإنسان .

 فعالم الإنسان أشبه ما يكون بالهيكل الجسماني كل فرد من أفراده يكون مجموعة من الخلايا الحية وكل مجموعة من الأفراد تؤلف عضوا من الأعضاء  وقد مر الهيكل الإنساني بأشكال مختلفة عبر القرون والأعصار إلى أن اتحدت أجزاؤه فعندما عقدت نطفة هيكل الإنسان في رحم العالم تكونت أعضاؤه التي شكلت الأسرة ثم تطورت أجزاؤها لتشكل القوم والعشيرة والمدينة والدولة وهكذا إلى أن اتحدت وسارت بقوة الروح في طريق الكمال . أي أن المجتمع البشرى يسير طوعا أو جبرا نحو الصلح والوحدة ولا شيء يعوق ذلك كما وأن لا شيء يعوق رشد ونمو جسم الإنسان .

الحروب السابقة كانت تنتهي بانتصار طرف وهزيمة الطرف الآخر إنما الحروب الحالية لا يوجد غالب ومغلوب لأن الهزائم والخسائر الناجمة عن الحرب سواء من الناحية المالية أو في الأرواح أدخلت خللا في نظم وتعادل المجتمع البشري وشلت الحركة الاجتماعية .

و اليوم لا يدخل في الاعتبار فقط الخسائر المالية والتكاليف الباهظة إنما هناك الخطر الذي يهدد هلاك واضمحلال البشرية .

ومن النتائج والمشاكل التي أصابت البشرية من الحروب الأخيرة والتي تحتاج إلى سنين طويلة من الوقت لكي نصل إلى حل هذه المشاكل هي :

– تناقص القوى الإنسانية القادرة على العطاء ذات القوة الجسدية والذهنية .

– ازدياد اعداد البشر العاجزين عن العمل الضعفاء والمعاقين .

– انهدام حضارات وجهود بني البشر الذين سعوا لتوفير وسائل الراحه للبشرية .

– إيجاد خلل وعدم توازن في الأمور الاجتماعية والاقتصادية .

– تباطؤ التطور الصحي الذي أدى إلى ظهور الأمراض المعدية .

– شيوع الفساد والفحشاء والأمراض النفسية وزيادة الأطفال الغير شرعيين .

– ازدياد الجريمة من قبيل القتل والسرقة .

– ايجاد حس القسوة وحب الانتقام .

– انعدام العلاقات والعواطف الإنسانية بين أفراد البشر وفقدان المحبة بين الأفراد والعائلات – ازدياد المتعاطين للمواد المخدرة والمسكرة .

– شيوع البطالة والخمول في الأعمال .

لقد انقضى عصر الرضاعة والطفولة والآن ابتلي العالم بهيجان شديد حيث وصلت مرحلة غرور الشباب إلى الحد الأعلى وستهدأ بالتدريج وتتسم بالعقل والهدوء الذين هما من خصائص مرحلة البلوغ ، وتنمو وتزدهر نحو مرحلة الكمال .

ومن البديهي أن الآداب والرسوم وأفكار وسنن الدول والملل مختلفة إنما لا يتعارض هذا مع الوحدة والاتحاد بينهم وهذه الوحدة ليست متباينة مع حب الوطن بل مكملة له وهذه العادات والسنن المختلفة بمثابة أزهار مختلفة الألوان في بستان العالم البشرى تضفي عليه الجمال كما هو الحال في أغلب دول العالم فيوجد هناك مجموعات من الأقوام والمذاهب والألسنة المختلفة ولهم خصوصيات أخلاقية واجتماعية مختلفة إنما متحدين في الاعتقاد بالوحدة الوطنية فيجب أن يتحقق هذا على المستوى العالمي .

 

 

نور الروحانية

جانفي 6, 2011

في يوم الجمعة الموافق 22 أيلول 1911

نظمت مسز جاك ومسز هريك للأحبّاء والأصدقاء اجتماعًا

فألقى فيهم حضرة عبد البهاء الخطبة التّالية:

هو الله

        إنّ هذا اليوم بارد وكئيب. ولكنّني حضرت لأنّني مشتاق للقياكم ورؤيتكم. فالتّعب بالنّسبة إلى المحبّ راحة. والمحبّ على استعداد لأن يسافر إلى أي مكان ليزور أصدقاءه.

        الحمد لله. إنّني أجدكم روحانيّين موقنين. وإنّني أبلغكم الرّسالة الإلهيّة وهي أنّه يجب عليكم أن تتوجّهوا إليه. والحمد لله إنّكم منه قريبون ولم تمنعكم شؤون الدّنيا عن البحث عن العالم الرّوحانيّ. فإذا كنتم على وفاق مع ذلك العالم الباقي لم تلهكم شؤون هذا العالم الفاني. إنّكم لترغبون في ما لا يموت ولا يفنى ومن ثمّ فأبواب الملكوت مفتوحة بين أيديكم. وإنّني لآمل أن تنتشر التّعاليم الإلهيّة في جميع الأنحاء وتكون سببًا في أن يتّحد جميع أهل العالم.

        في أيّام المسيح تدفّق النّور من الشّرق إلى الغرب تدفّقًا جعل النّاس ينضوون تحت الرّاية الإلهيّة، فاستضاءت بصائرهم واستنارت الأقاليم الغربيّة بنور المسيح. وإنّني لأبتهل إلى الله أن يجعل النّور في هذا القرن المجيد يضيء العالم على نحو يجعل الجميع ينضوون تحت علم الوحدة ويفوزون بالتّربية الرّوحانيّة، عندئذٍ تختفي تلك المشكلات الّتي تسبّب الخلافات بين أمم الأرض، لأنّها في الحقيقة غير موجودة، فأنتم جميعًا أمواج محيط واحد ومرايا تعكس صورة شيء واحد.

        حقًّا إنّنا نرى دول أوروبّا اليوم تعيش في راحة، لأنّ التّربية والتّعليم انتشرا وعمّا فيها. وإنّ نور الحرّيّة هو نور الغرب، ونيّة الحكومات في الغرب منعقدة على العمل من أجل الحقّ والعدل. إلاّ أنّ نور الرّوحانيّة كان دائمًا ينبثق من الشّرق. وفي هذا اليوم أظلم ذلك النّور وأصبح الدّين مجرد صور وأشكال وطقوس ورسوم، وانعدمت الرّغبة في محبّة الله.

        وفي كلّ عصر من عصور الظّلام الشّديد ينبثق النّور من الشّرق. وهكذا جاءكم نور التّعاليم الإلهيّة مرّة أخرى. وكما تنتقل التّربية والتّعليم من الغرب إلى الشّرق تنتقل النّار الرّوحانيّة من الشّرق إلى الغرب.

        فأملي هو أن تستضيء أمم الغرب من نور الله، وأن يأتيهم الملكوت وأن يفوزوا بالحياة الأبديّة، وأن تنتشر بينهم روح الله كانتشار النّار وأن يتعمّدوا بماء الحياة ويفوزوا بميلاد جديد.

        هذه هي رغبتي. وأملي إن شاء الله أن تتلقّوا النّور الإلهيّ فتسعدوا. وكما توفرت لكم التّربية والتّعليم والرّقيّ المادّيّ آمل أن يكون النّور الإلهيّ من نصيبكم أيضًا.

دين الله هو الأعمال

جانفي 4, 2011

 

في مساء الجمعة الموافق 3 تشرين الثّاني 1911

ألقى

 حضرة عبد البهاء في منزل مسيو دريفوس هذه الخطبة

هو الله

        إنّ دين الله –في الحقيقة- هو الأعمال، وليس الألفاظ. ذلك لأنّ دين الله هو العلاج. فمعرفة الدّواء وحدها ولا تُغْنِي بل إنّ الّذي يجدي هو استعمال الدّواء. فإذا عرف أحد الأطبّاء جميع الأدوية ولم يستعملها فما الفائدة من معرفته لها؟

          إنّ التّعاليم الإلهيّة كخريطة البناء وهندسته. فإذا رسمت الخريطة وتمّت الهندسة ولكنّها لم تنفّذ فما فائدتها؟ فلا بدّ إذن من إجراء التّعاليم الإلهيّة ووضعها موضع التّنفيذ. وإلاّ فقراءتها والوقوف عليها لا جدوى منه.

          ففي تعاليم السّيّد المسيح مثلاً: من ضربك على خدّك الأيمن أدر له الأيسر. وصلّوا للاعنيكم، والتمسوا الخير لأعدائكم. هذه هي تعاليم السّيّد المسيح الّتي كانت سبب النّورانيّة وعلّة حياة العالم وأساس الصّلح والصّلاح. ولكن ما الفائدة؟ إنّك لا تتمالك نفسك عن التّأسّف والتّحسّر وأنت ترى سفك الدّماء، وآلاف النّفوس الّتي قتلت –طوال هذه المدّة- من أمّة المسيح. ويحدّثنا التّاريخ أنّه في النّزاع بين البروتستانت والكاثوليك قتل تسعمائة ألف شخص. فأيّ صلة لهذا النّزاع بتعاليم المسيح الّذي أتى بتعاليم تناقض هذا التّصرّف مناقضة تامّة؟ يقرأ المسيحيّون جميعًا هذا البيان للسّيّد المسيح في الإنجيل ولا يعملون به. فماذا استفادوا من هذه القراءة؟ غير أنّهم لوعملوا بموجب ما قرأوا لظهرت عندئذٍ نتيجة. ففي الإنجيل يتفضّل بقوله: من ثمارهم تعرفونهم. أي من الثّمر يفهم إذا كانت هذه الشّجرة شجرة مباركة أم شجرة خبيثة.

          يتّضح إذن أنَّ الدّين ليس هو القول بل العمل. وفي القرآن يقول الله سبحانه وتعالى: “والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس والله يحبّ المحسنين”. ومعنى ذلك أنّ نفسًا إذا تعدّت على غيرها وجب على المعتدى عليها أن تحلم وأن تعفو وتحسن وتصفح. فانظروا اليوم كم تخالف الأعمال الأقوال، وكم جاروا وظلموا حتّى أراقوا دم سيّد الشّهداء.

          ويتفضّل الجمال المبارك بقوله: لو لم يكن ذلك مخالفًا لشريعة الله لقبّلت يد قاتلي وورّثته من مالي. ولكن كيف السّبيل وحكم الكتاب المحكم لم يجز ذلك، ولم يكن لهذا العبد من حطام الدّنيا شيء.

          والمقصود هو أنَّه يجب العمل بموجب التّعاليم الإلهيّة. ولقد بدأت جميع الأديان الإلهيّة بالعمل لا القول. ففي أيّام السّيّد المسيح مثلاً عمل الحواريّون بموجب التّعاليم الإلهيّة. وكان هذا هو السّبب في رقيّهم فارتفعوا من حضيض الذّلّة إلى أوج العزّة، واهتدوا من ظلمات الأوهام بنور الهداية. وكان الأمر كذلك دائمًا. ولكن بمرور الأيّام يتغيّر الأمر تدريجيًّا ويقلّ العمل شيئًا فشيئًا ويزيد القول يومًا فيومًا حتّى لو لم يعد أحد يعمل شيئًا، ويصبح كلّ شيء محض أقوال دون عمل. وهذا هو السّبب الّذي من أجله لم يعد لتعليم المسيح من أثر في القرون الوسطى. وتقاتل الأمراء والملوك المسيحيّون بعضهم مع البعض واستعرت نار الحرب الدّائمة.

          وإنّكم لتلاحظون المجلس الّذي انعقد في لاهاي من أجل الصّلح العام، وكم دارت فيه من مناقشات حول الصّلح، وكم قيل من الأقوال المقبولة. وأرسلت جميع الدّول ممثليها. ودارت مناقشاتهم جميعًا حول تعايش الدّول والملل في صلح وأمان، كي تزول الحرب والخلافات وينزع السّلاح.

 

من خطب عبد البهاء

تعاليم بهاء الله

نوفمبر 13, 2010

الخطبة المباركة ألقيت في كنيسة الموحّدين

في مونتريال – كندا

في 1 أيلول سنة 1912

هو الله

لفد خلق الله تعالى الجميع من التّراب وخلق الكلّ من عنصر واحد ومن سلالة واحدة وعلى كرة أرضيّة واحدة، وخلق الجميع تحت ظلّ سماء واحدة وخلق الكلّ مشتركين في الإحساسات ولم يوجد بين الخليقة تفاوتًا فالكلّ متساوون وهو يرزق الجميع ويربّي الجميع ويحفظ الجميع وهو رؤوف بالجميع ولم يوجد أيّ فرق بين البشر في فضله ورحمته. وبعث الأنبياء وأرسل التّعاليم الإلهيّة للجميع وهذه التّعاليم الإلهيّة هي سبب الألفة بين البشر وسبب المحبّة بين القلوب. وأعلن وحدة العالم الإنسانيّ وهو يذمّ كلّ ما يمنع الاتّحاد ويمدح كلّ ما يسبب الاتّفاق والاتّحاد وهو يحثّ جميع البشر على اختلاف مراتبهم إلى الاتّحاد.

وقد بعث جميع أنبياء الله من أجل المحبّة بين البشر ونزّلت جميع الكتب الإلهيّة من أجل اتّحاد العالم الإنسانيّ، وكان جميع الأنبياء خادمين للحقيقة وتعاليمهم كلّها حقيقة، والحقيقة واحدة لا تقبل التّعدّد. لهذا فإنّ أساس الأديان الإلهيّة واحد.

ولكن برغم هذا فقد حلّت بينها التّقاليد ويا للأسف ولا صلة لها بأساس تعاليم الأنبياء. وحيث إنّ هذه التّقاليد مختلفة لهذا صارت سبب الاختلاف وحصل بين البشر نزاع وجدال وحلّ بينهم حرب وقتال حتّى صاروا يهدمون البنيان الإلهيّ ويقتل بعضهم بعضًا كالحيوانات المفترسة ويخرّب بعضهم بيوت البعض الآخر ويهدم بعضهم مملكة البعض الآخر.

وقد خلق الله الإنسان من أجل المحبّة وتجلّى بالمحبّة على العالم الإنسانيّ وكانت المحبّة سبب اتّحاد الكائنات وكان جميع الأنبياء مروّجين للمحبّة. والآن يقاوم الإنسان رضاء الله ويعمل بكلّ ما يخالف رضاء الله. لهذا لم يجد الرّاحة منذ بداية التّاريخ حتّى يومنا هذا. فكان دائمًا في حرب وقتال وكانت القلوب متنافرة بعضها من بعض وتعمل بكلّ ما يخالف الرّضاء الإلهيّ.

وكلّ الحروب الّتي وقعت وما سفك فيها من دماء كانت ناتجة إمّا من التّعصّب الدينيّ أو منبعثة من التّعصّب الجنسيّ، أو منبعثة من التّعصّب الوطنيّ أو من منبعثة من التّعصّب السّياسيّ. لهذا فالعالم الإنسانيّ في عذاب دائم وقد كان التّعصّب في الشّرق شديدًا جدًّا لأنّه لم تكن هناك حرّيّة وقد بلغ درجة تعذَّر فيها وجود الرّاحة فسيطرت ظلمة التّقاليد وعاشت جميع الطّوائف والأديان والأجناس في منتهى العداوة والنّزاع.

في هذا الوقت ظهر حضرة بهاء الله وتفضّل:

أوّلاً: بإعلان وحدة العالم الإنسانيّ وأنّ جميع الخلق عبيد الله وأنّ جميع الأديان في ظلّ رحمة الله، وأنَّ الله رؤوف بالجميع وهو يحبّ الجميع، وأنَّ جميع الأنبياء كانوا في منتهى الألفة في ما بينهم وأنّ الكتب السّماويّة يؤيّد بعضها بعضًا. ومع وجود هذا لماذا يجب أن يكون هناك بين البشر نزاع وجدال ما دام جميع البشر خلقًا لإله واحد وما داموا جميعًا أغنامًا في ظلّ راعٍ واحد، والرّاعي يرعى الجميع. إذن يتوجّب على الأغنام الإلهيّة أن تآلف بعضها بعضًا ولو افترقت واحدة منها فعلى الجميع أن تجلبها وتدلّها السّبيل وكلّ ما في الأمر أنّ البعض جهلاء تجب تربيتهم وناقصون يجب إكمالهم ومرضى يجب علاجهم وعمي يجب إبصارهم.

ثانيًا: أعلن حضرة بهاء الله أنّ الدّين يجب أن يكون سبب الألفة والمحبّة فإذا أصبح الدّين سبب العداوة فلا تكون نتيجة منه وفي هذه الحال يصبح عدم التّديّن أحسن لأنّ الدّين صار سبب العداوة والبغضاء، وكلّ ما يسبب العداوة مبغوض عند الله وكلّ ما يسبّب الألفة والمحبّة مقبول وممدوح لديه. وإذا صار الدّين سبب القتال والافتراس فإنّ ذلك ليس بدين وعدم التّدين خير منه لأنَّ الدّين بمثابة العلاج فإن أصبح العلاج سببًا لحدوث المرض فعدم العلاج خير منه. لهذا فإن أصبح الدّين سبب الحرب والقتال فلا شكّ أنّ عدم التّديّن أحسن.

ثالثًا: يجب أن يكون الدّين مطابقًا للعلم والعقل فإن لم يكن كذلك كان مجرد أوهام لأنَّ الله أعطى الإنسان عقلاً كي يدرك به حقائق الأشياء وكي يعبد الحقيقة فإذا أصبح الدّين مخالفًا للعلم والعقل فمن المستحيل أن يكون سببًا لاطمئنان القلب وإذا لم يكن سببًا للاطمئنان كان مجرّد أوهام ولا يعود يسمّى دينًا. لهذا يجب توفيق المسائل الدّينيّة مع العقل والعلم كي يطمئنّ القلب ويكون الدّين سببًا لسعادة الإنسان.

رابعًا: إنّ التّعصّب الدّينيّ والتّعصّب المذهبيّ والتّعصب الوطنيّ والتّعصّب السّياسيّ كلّها هادمة للبنيان الإنسانيّ. فالأديان عبارة عن دين واحد لأنّ الأديان الإلهيّة هي الحقيقة. وقد نادى حضرة إبراهيم بالحقيقة وأعلن حضرة موسى الحقيقة وأسّس حضرة المسيح الحقيقة وروّج حضرة الرّسول الحقيقة. وكان جميع الأنبياء خدّامًا للحقيقة وكانوا كلّهم مؤسّسين للحقيقة وكانوا جميعًا مروّجين للحقيقة إذًا فالتّعصّب باطل لأنّ هذه التّعصّبات مخالفة للحقيقة. أمّا التّعصّب الجنسيّ فحيث إنّ جميع البشر من عائلة واحدة وعبيد لإله واحد وكلّهم من جنس واحد فلا تعدّد في الأجناس وما داموا جميعًا أولادا لآدم فإن تعدّد الأجناس أوهام فليس لدى الله إنكليزيّ ولا فرنسيّ ولا تركيّ ولا فارسيّ والجميع جنس واحد لدى الله. ولم يخلق الله هذه التّقسيمات بل خلقها البشر لهذا فهي مخالفة للحقيقة وباطلة. فكلّ واحد من البشر له عينان وآذنان ورأس واحد وقدمان وليس بين الحيوانات تعصّب جنسيّ وليس بين الطّيور هذا التّعصب فالحمامة الشّرقيّة تألف الحمامة الغربيّة والأغنام كلّها جنس واحد فلا يقول خروف لآخر أنت خروف شرقيّ وأنا غربيّ وأينما يكونون فإنّهم متآلفون. والحمامة الشّرقيّة إذا جاءت إلى الغرب فإنّها تتآلف تمامًا مع الحمامة الغربيّة ولا تقول للحمامة الغربيّة أنتِ غربيّة وأنا شرقيّة. إذًا فالشّيء الّذي لا يقبله الحيوان هل يليق بالإنسان أن يقبله؟

وأمّا التّعصّب الوطنيّ فإنّ وجه الأرض بأكمله كرة واحدة وأرض واحدة ووطن واحد. والله لم يقسّمها بل خلقها كلّها متساوية وليس لديه فرق فالتّقسيم الّذي لم يعمله الله كيف يجوز للإنسان أن يعمله؟ إنّ هذه جميعها أوهام. فأوروبّا قارّة واحدة وقد جئنا فعيّنّا خطوطًا وهمية وقرّرنا نهرًا واحدًا وقلنا إنّ هذه الضّفة فرنسا وتلك الضّفة ألمانيا والحال أنّ النّهر يعود للطّرفين، فأيّة أوهام هذه؟ وأيّة غفلة هذه؟ فالشّيء الّذي لم يخلقه الله نتخيّله ونجعله سبب النّزاع والقتال. إذن فجميع هذه التّعصّبات باطلة ومبغوضة لدى الله ولقد أوجد الله المحبّة والوحدة وأراد من عبيده الألفة والمحبّة وعنده العداوة مردودة والاتّحاد والألفة مقبولان.

خامسًا: ومن بين تعاليم حضرة بهاء الله أنّ جميع العالم يجب أن يكتسبوا المعارف حتّى يزول سوء التّفاهم بينهم ويتّحد جميع البشر ويزول سوء التّفاهم عن طريق نشر المعارف لهذا يجب على كلّ أب أن يربّي أولاده فإذا عجز عن ذلك في يوم من الأيّام توجّب على الهيئة الاجتماعية أن تساعده حتّى تعمّ المعارف ويزول سوء التّفاهم بين البشر.

سادسًا: إنّ النّساء كنّ أسيرات وقد أعلن حضرة بهاء الله وحدة حقوق الرّجال والنّساء وإنّ الرّجل والمرأة كليهما إنسانان وعبدان لإله واحد. وليس لدى الله ذكور وإناث بل كلّ من كان قلبه أطهر وعمله أحسن كان مقرّبًا أكثر لدى الله سواء أكان رجلاً أم امرأة وهذا التّفاوت المشهود الآن بين الرّجل والمرأة ناتج عن تفاوت التّربية لأنّ النّساء لا يربّين مثل الرّجال فإن ربّي النّساء والرّجال على حدّ سواء فإنّهم يتساوون في جميع المراتب لأنّهم كلّهم بشر ومشتركون في جميع المراتب ولم يجعل سبحانه وتعالى تفاوتًا بينهم.

سابعًا: وحدة اللّغات: يجب إيجاد لغة يتعلّمها جميع البشر ويحتاج كلّ إنسان إلى لغتين إحداهما لغة خصوصية والأخرى لغة عموميّة بها يعرف جميع البشر حديث بعضهم الآخر. وبهذا يزول سوء التّفاهم من بين الملل لأنّ الجميع يعبدون إلهًا واحدًا والكلّ عبيد لإله واحد وقد كان سوء التّفاهم سببًا لهذا الاختلاف فعندما يعرف بعضهم لغة البعض الآخر لا يبقى سوء التّفاهم ويتحابّ الجميع ويتآلفون ويتّحد الشّرق ويتّفق مع الغرب.

ثامنًا: إنّ العالم محتاج إلى الصّلح العموميّ وما لم يتمّ إعلان الصّلح العمومي لن يرتاح العالم ولا بدّ أن تشكّل الدّول والملل محكمة كبرى حتّى يرجعوا إليها في الاختلافات وتفصل تلك المحكمة في تلك الاختلافات وكما تفصل المحكمة في الاختلافات الّتي تحصل بين الأفراد وكذلك تفصل المحكمة الكبرى في اختلافات الدّول والملل حتّى لا يبقى مجال للحرب والقتال. وقد كتب حضرة بهاء الله قبل خمسين سنة إلى جميع الملوك وجميع هذه التّعاليم مدوّنة في ألواح الملوك وسائر الألواح وقد طبعت في الهند قبل أربعين سنة حتّى امّحى التّعصب من بين البشر. فالّذين اتّبعوا حضرة بهاء الله صاروا متّحدين في ما بينهم ومتآلفين. فإذا دخلت مجلسهم رأيت المسيحيّين واليهود والزرادشتيّين والمسلمين في منتهى الألفة والمحبّة وجميع نقاشهم يدور حول رفع سوء التّفاهم.

وخلاصة القول إنّني حينما جئت إلى أمريكا رأيت أهاليها محترمين جدًّا وحكومتها عادلة وشعبها نجيبًا جدًّا. وأرجو الله أن تكون هذه الدّولة العادلة وهذه الأمة المحترمة سببًا لإعلان الصّلح العموميّ ووحدة العالم الإنسانيّ وأن تصبح سببًا لألفة الملل، وأن تشعل مصباحًا ينير العالم وهو وحدة العالم الإنسانيّ والاتّحاد العمومي.

وأملي أن تصبحوا سببًا لارتفاع علم الصّلح العموميّ هنا وأعني أن تصبح الدّولة والأمة الأمريكيّة سببًا لراحة العالم الإنسانيّ ولكسب الرّضاء الإلهيّ وإحاطة الألطاف الإلهيّة بالشّرق والغرب.

يا إلهي الرّؤوف إنّ هذا الجمع متوجّه إليك ويناجيك بمنتهى التّضرّع وإنّه متبتّل إلى ملكوتك ويطلب منك العفو والغفران. فاجعل يا إلهي هذا الجمع محترمًا وقدّس هذه النّفوس واجعل أنوار الهداية ساطعة ونوّر القلوب، واجعل النّفوس مستبشرة، وأدخل الجميع في ملكوتك وأنل مرادهم في كلا العالمين. يا إلهي نحن أذلاّء فاجعلنا أعزّاء وعجزاء فأنعم علينا قدرة، ونحن فقراء اغننا من كنز الملكوت، ومرضى فأنعم علينا بالشّفاء. يا إلهي اهدنا إلى رضائك وقدّسنا عن شؤون النّفس والهوى واستقمنا يا إلهنا على محبّتك واجعلنا رؤوفين بجميع الخلق ووفّقنا على خدمة العالم الإنسانيّ حتّى نخدم جميع عبيدك ونحبّ جميع عبيدك ونحبّ جميع خلقك ونكون مشفقين بجميع البشر. إنّك أنت المقتدر الرّحيم وإنّك أنت الغفور العظيم.

ليس لعالم الوجود بداية ـ مبدأ الإنسان

نوفمبر 7, 2010

 

اعلم أنّ إحدى غوامض المسائل الإلهيّة هي أنّ هذا الكون الذّي لا يتناهى لا أوّل له، ولقد سبق بيان أنّ نفس أسماء وصفات الذّات الإلهيّة تقتضي وجود الكائنات، ومع أنّ ما قد بيّنّاه كان مفصّلاً إلاّ أنّنا سنتكلّم عنه الآن ثانية باختصار.

         فاعلم أنّه لا يمكن أن يتصوّر ربّ بلا مربوب، ولا يتحقّق وجود ملك بلا رعيّة، ولا معلّم بغير متعلّم، ولا يمكن وجود خالق بدون مخلوق، ولا يخطر بالبال رازق من غير مرزوق، لأنّ جميع الأسماء والصّفات الإلهيّة تستدعي وجود الكائنات، فلو نتصوّر أنّ الكائنات عامّة لم تكن موجودة وقتاً ما، فهذا التّصوّر إنكار لألوهيّة الله، وفضلاً عن هذا فالعدم المطلق غير قابل للوجود، فلو كانت الكائنات عدماً مطلقاً لما تحقّق الوجود، ولما كان وجود ذات الأحديّة أي الوجود الإلهيّ أزليّاً سرمديّاً يعني لا أوّل له ولا آخر، فلا بدّ وأنّ عالم الوجود يعني هذا الكون الذّي لا يتناهى لم تكن قطّ له بداية.

         نعم قد يصحّ ويمكن أن يحدث وجود جزء من أجزاء الممكنات أي جرم من الأجرام أو أن يتلاشى، غير أنّ سائر الأجرام اللامتناهيّة تظلّ موجودة، فعالم الوجود أبديٌّ لا ينعدم، وحيث أنّ لكلّ جرم من هذه الأجرام بداية فلا بدّ له من نهاية، لأنّ كلّ تركيب سواء كان جزئيّاً أم كلّيّاً لا بدّ له من أن يتحلّل، وغاية ما هنالك هو أنّ بعض المركبات سريع التّحليل وبعضها بطيء التّحليل، فمن المستحيل أن يتركّب شيء وثمّ لا يتحلّل، إذاً يجب أن نعلم كيف كان كلّ موجود من الموجودات العظيمة في أوّل أمره، ولا مريَة أنّه في البدء كان الأصل واحداً ولا يمكن أن يكون اثنين، لأنّ مبدأ جميع الأعداد واحد لا اثنان، فالاثنان محتاجة إلى المبدأ. إذاً صار من المعلوم أنّ المادّة في الأصل واحدة، وتلك المادّة الواحدة تحوّلت في كلّ عنصر بصور مختلفة، ولهذا ظهرت صور متنوّعة، ولمّا ظهرت هذه الصّور المتنوّعة أخذ كلّ منها شكلاً خاصّاً وصار عنصراً مستقلاً، ولم يتحقّق استقلال العنصر ولم يتمّ تكوينه إلاّ بعد مدّة مديدة، ثمّ إنّ هذه العناصر تركّبت وترتّبت وامتزجت بصور غير متناهية، يعني ظهرت الكائنات الّتي لا تتناهى من تركيب وامتزاج هذه العناصر، وحصل هذا التّركيب والتّرتيب بحكمة الله وقدرته القديمة بنظمٍ طبيعيٍّ واحدٍ، ومن حيث أنّها تركّبت وامتزجت بهذا النّظم الطّبيعيّ في كمال الإتقان ومطابقة للحكمة تحت قانون كلّيّ، فمن الواضح أنّها إيجاد إلهيّ وليس تركيبها وترتيبها صدفة، لأنّ معنى الإيجاد أن يوجد من كلّ تركيب كائن، أمّا من التّركيب التّصادفيّ فلا يوجد أيّ كائن، مثلاً لو أنّ الإنسان مع عقله وذكائه يجمع عناصر ويركبّها فلا يمكن أن يوجد منها كائن حيّ، لأنّها أتت على غير النّظم الطّبيعيّ، وهذا جواب عن سؤال مقدّر وهو من حيث أنّ هذه الكائنات حادثة من تركيب وامتزاج هذه العناصر، فنحن أيضاً نجمع هذه العناصر ونمزجها لإيجاد كائن حيّ، فلو نتصوّر مثل هذا لكان هذا التّصوّر خطأ، لأنّ أصل هذا التّركيب تركيب وامتزاج إلهيّ على نظم طبيعيّ، وبذلك يوجد كائن ويتحقّق وجود، أما من التّركيب البشريّ فلا يحصل ثمر، لأنّ البشر لا يقدر على الإيجاد، والخلاصة أنّنا قلنا قد ظهرت الصّور والحقائق الّتي لا تتناهى والكائنات الّتي لا تنحصر من تركيب العناصر وامتزاجها وكيفيّتها وتراكيبها وموازينها وتأثير بعضها على بعض.

         أمّا هذه الكرة الأرضية فمن الواضح أنّها لم تتكوّن دفعة واحدة على هيئتها الحاضرة، بل إنّ هذا الموجود الكلّيّ اجتاز أطواراً مختلفة بالتّدريج حتّى بلغ هذا الكمال، والموجودات الكلّيّة تقاس بالموجودات الجزئيّة وتطبّق عليها، لأنّ الموجود الكلّيّ والموجود الجزئيّ كليهما تحت نظم طبيعيّ واحد وقانون كلّيّ وترتيب إلهيّ، مثلاً تجد الكائنات الذرّيّة ينطبق عليها في النّظام العامّ ما ينطبق على أعظم الكائنات، فمن الواضح أنّها تكوّنت في مصنع قدرة واحدة على نظم طبيعيّ واحد وقانون عامّ واحد، فلهذا يقاس بعضها ببعض، مثلاً إنّ نطفة الإنسان نشأت ونمت في رحم الأمّ بالتّدريج وأخذت صوراً من أطوار مختلفة حتّى وصلت إلى البلوغ في نهاية درجة من الجمال وتجلّت بهيئة كاملة في نهاية اللّطافة، وعلى هذا المنوال بذر هذه الزّهرة الّتي نشاهدها، فقد كان في بدايته شيئاً حقيراً في نهاية الصّغر ثمّ نشأ ونما في بطن الأرض ومرّ بصورٍ مختلفة إلى أن تجلّى بكمال الطّراوة واللّطافة في هذه الرّتبة. وكذلك من الواضح أنّ هذه الكرة الأرضيّة تكوّنت في رحم العالم، ونشأت ونمت ومرّت بصور وحالات مختلفة حتّى وصلت بالتّدريج إلى كمالها وزيّنت بمكوّنات غير متناهيّة وتجلّت في نهاية الإتقان.

         إذاً اتّضح أنّ تلك المادة الأصليّة الّتي هي بمنزلة النّطفة كانت عناصرها المركّبة الممتزجة الأوّليّة موجودة، وهذا التّركيب نشأ ونما بالتّدريج في الأعصار والقرون، وانتقل من شكل وهيئة إلى شكل وهيئة أخرى حتّى بلغ هذا الكمال والنّظام والتّرتيب والإتقان بحكمة الله البالغة.

         والآن فلنرجع إلى مسألة أنّ الإنسان في بدء الوجود نشأ ونما تدريجيّاً في رحم الكرة الأرضيّة كالنّطفة في رحم الأمّ، وانتقل من صورة إلى صورة ومن هيئة إلى هيئة حتّى تجلّى بهذا الجمال والكمال وهذه القوى والأركان، ويقيناً أنّه ما كان في البداية بهذه اللّطافة والجمال والكمال، بل وصل بالتّدريج إلى هذه الهيئة والشّمائل والحُسن والملاحة كنطفة الإنسان في رحم الأمّ، ولا شكّ أنّ النّطفة البشريّة ما أخذت هذه الصّورة دفعة واحدة وما كانت مظهر قوله تعالى “فتبارك الله أحسن الخالقين”[i]. لهذا أخذت حالات متنوّعة بالتّدريج وظهرت في هيئات مختلفة حتّى تجلّت بهذه الشّمائل وهذا الجمال والكمال والحسن واللّطافة، إذاً صار من الواضح المبرهن أنّ نشوء الإنسان ونموّه على الكرة الأرضيّة حتّى بلوغه هذا الكمال كان مطابقاً لنشوء الإنسان ونموّه في رحم الأمّ بالتّدريج وانتقاله من حال إلى حال ومن هيئة وصورة إلى هيئة وصورة أخرى، حيث أنّ ذلك تمّ بمقتضى النّظام العامّ والقانون الإلهيّ الكلّيّ، يعني تمرّ نطفة الإنسان بحالات مختلفة ودرجات متعدّدة حتّى ينطبق عليها قوله تعالى “فتبارك الله أحسن الخالقين” وتظهر فيها آثار الرّشد والبلوغ.

         وعلى هذا المنوال كان وجود الإنسان على هذه الكرة الأرضيّة من البدء حتّى وصل إلى هذه الحال من الهيئة وجمال الأخلاق، بعد أن مضت عليه مدّة طويلة واجتاز درجات مختلفة، ولكنّه من بدء وجوده كان نوعاً ممتازاً.

         كذلك نطفة الإنسان في رحم الأمّ كانت في أوّل أمرها بهيئة عجيبة، فانتقل هذا الهيكل من تركيب إلى تركيب ومن هيئة إلى هيئة ومن صورة إلى صورة حتّى تجلّت النّطفة في نهاية الجمال والكمال، ولكنّها عندما كانت في رحم الأمّ وفي تلك الهيئة العجيبة – الّتي تغاير تماماً ما هي عليه الآن من الشّكل والشّمائل – كانت نطفة نوع ممتاز لا نطفة حيوان، وما تغيّرت نوعيّتها وماهيّتها أبداً، وعلى فرض تحقّق وجود أثر لأعضاء تلاشت فإنّ هذا لا يكون دليلاً على عدم استقلال النّوع وأصالته، وغاية ما هنالك أنّ الهيئة والشّمائل والأعضاء الإنسانيّة قد ترقّت ولكنّها مع ذلك التّحوّل كانت نوعاً ممتازاً، وكان إنساناً لا حيواناً، مثلاً لو انتقلت نطفة الإنسان في رحم الأمّ من هيئة إلى هيئة بحيث لا تشابه الهيئة الأولى بأيّ وجه من الوجوه فهل يكون ذلك دليلاً على أنّ النّوعيّة تغيّرت بأن كانت في البداية حيواناً ثمّ نشأت أعضاؤها وترقّت حتّى صارت إنساناً!! لا والله.

         والخلاصة إنّ هذه النّظريّة في غاية من الضّعف وواهيّة الأساس لأنّ أصالة نوع الإنسان واستقلال ماهيّته واضحة مشهودة والسّلام.

 1-      القرآن الكريم سورة المؤمنون الآية 14.

 

منقول من كتاب المفاوضات(حضرة عبد البهاء)

مسألة النّشوء والارتقاء للكائنات

نوفمبر 7, 2010

السّؤال: ماذا ترون فيما يقوله بعض فلاسفة أوروبا في مسألة النّشوء والارتقاء للكائنات؟

الجواب: سبق أن تكلّمنا عن هذه المسألة ولكنّنا سنتكلّم فيها مرّةً أخرى، مجمل القول أنّ الكلام في هذه المسألة سينتهي إلى تقرير أصالة النّوع الإنسانيّ أو عدم أصالته، يعني هل النّوع الإنسانيّ كان أصلاً مستقلاً بنفسه أم تفرّع بعدئذ عن الحيوان، فبعض فلاسفة أوروبا متّفقون على أنّ للنّوع نشوءاً وارتقاءً بل إنّ التّبديل والتّغيير ممكن أيضاً، ومن جملة الأدلّة الّتي يقيمونها لإثبات هذه النّظريّة أنّه بواسطة علم طبقات الأرض والتّدقيق والتّحقيق فيها ظهر واتّضح لهم أسبقيّة وجود النّبات على الحيوان وأسبقيّة وجود الحيوان على الإنسان، واتّفقوا على أنّ جنس الحيوان والنّبات كليهما تغيّر، لأنّه اكتشف في بعض طبقات الأرض نباتات كانت موجودة في القديم وهي الآن مفقودة، بمعنى أنّها ترقّت وصارت أقوى وتبدّلت هيئتها وشكلها، لهذا تبدّل النّوع، وكذلك وجد في طبقات الأرض أنواع من الحيوان تغيّرت وتبدّلت، ومن جملة الأنواع الحيوانيّة الثّعبان الذّي توجد له أعضاء يستدلّ منها أنّه كان يوماً ما ذا أرجل، ولكنّها تلاشت بمرور الزّمان وبقيت آثارها محفوظة، وكذلك توجد آثار في العمود الفقريّ للإنسان ويستدلّ منها على أنّه كان يوماً ما له ذيل كسائر الحيوان، ومتّفقون على أنّ آثاره لا تزال باقية، وكان ذلك العضو مفيداً وقتاً ما، ولمّا ترقّى الإنسان لم يبقَ لذلك العضو فائدة وتلاشى بالتّدريج، ولمّا اتّخذ الثّعبان مأواه في باطن الأرض وصار من الحيوان الزّاحف أصبح في غنى عن الأرجل، ولذلك تلاشت ولكن آثارها باقية، وأعظم برهان لديهم هو أنّ وجود آثار هذه الأعضاء يدلّ على أنّها كانت موجودة وانمحت تدريجيّاً لعدم فائدتها، وليس لتلك الأجزاء الأثريّة الآن من حكمة أو فائدة، فبناءً عليه بقيت الأعضاء اللاّزمة الكاملة وزالت بالتّدريج الأعضاء الّتي لا لزوم لها لتغيّر النّوع ولكنّ أثرها باقٍ.

        والجواب: أوّلاً

إنّ أسبقيّة الحيوان على الإنسان ليست دليلاً على ترقّي النّوع وتغييره وتبديله وعلى أنّه تطوّر من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان، لأنّه ما دام حدوث الكائنات المختلفة مسلّماً به فمن الجائز أن يكون وجود الإنسان بعد وجود الحيوان، كما أنّنا نلاحظ في عالم النّبات أنّ أثمار الأشجار المختلفة لا توجد كلّها دفعة واحدة، بل ينضج بعضها قبل البعض الآخر، فتلك الأسبقيّة ليست دليلاً على أنّ ثمرة متأخرّة النّضوج لشجرة ما إنّما نتجت من ثمرة مبكّرة النّضوج لشجرة أخرى.

        ثانياً

إنّ هذه الإمارات الصّغيرة والأجزاء الأثريّة ربّما تكون لها حكمة عظيمة لم تصل إليها العقول حتّى الآن، وكم من موجود لم تعلم حكمة وجوده إلى الآن، كما أنّه مذكور في علم الفيسيولوجيا (يعني معرفة تركيب الأعضاء) أنّ حكمة اختلاف ألوان الحيوان وشعر الإنسان واحمرار الشّفاه وتنوّع ألوان الطّيور غير معلومة إلى الآن بل هي مخفيّة مستورة، ولكنّ حكمة سواد حدقة العين فقد عُلِمَ أنّها لجذب أشعّة الشّمس، لأنّها لو كانت لوناً آخر أبيض ناصعاً مثلاً ما جذبت أشعّة الشّمس، إذاً ما دامت حكمة هذه الأمور المذكورة مجهولة، فجائز أن تكون حكمة الأجزاء الأثريّة وعلّتها سواء في الحيوان أو الإنسان أيضاً غير معلومة ولكن لا بدّ لها من حكمة ولو أنّها لم تعلم الآن.

         ثالثاً

نفرض أنّه كان في وقت ما لبعض الحيوان حتّى الإنسان عضو وزال الآن، فليس هذا ببرهان كافٍ على تغيّر النّوع وترقيته، لأنّ الإنسان من بداية انعقاد النّطفة حتّى يصل إلى درجة البلوغ يأخذ هيئات وأشكال متنوّعة، تتغيّر فيها سيماه وهيئته وشكله ولونه بالكلّيّة، يعني يتحوّل من هيئة إلى هيئة أخرى ومن شكل إلى شكل آخر، ومع ذلك فإنّه من بداية انعقاد النّطفة كان من نوع الإنسان، يعني أنّ تلك النّطفة كانت نطفة إنسان لا حيوان، ولكنّها كانت مخفيّة ثمّ ظهرت وبرزت، مثلاً نفرض أنّ الإنسان كان مشابهاً للحيوان وقتاً ما وترقّى الآن وتغيّر، فعلى فرض التّسليم بهذا القول لا يكون دليلاً على تغيّر النّوع بل يكون بمثابة تغيّر نطفة الإنسان وتبدّلها حتّى تصل إلى درجة الرّشد والكمال كما ذكر، وبأوضح من هذا نقول لنفرض أنّ الإنسان كان يمشي على أربع (يديه ورجليه) أو كان له ذنب فهذا التّغيّر والتّبدّل كتغيّر الجنين وتبدّله في رحم أمّه، فمهما تغيّر في نشوئه وترقّيه من جميع الجهات حتّى وصل إلى هذه الهيئة التّامة فإنّه في البداية كان نوعاً مخصوصاً، كما أنّنا نلاحظ أيضاً في عالم النّبات أنّ نوعيّة الفصيلة الأصليّة لا تتغيّر ولا تتبدّل، ولكنّ الهيئة واللّون والحجم هي الّتي تتغيّر وتتبدّل أو تترقّى.

         وخلاصة القول أنّ الإنسان ولو أنّه انتقل في رحم الأمّ من شكل إلى آخر ومن هيئة إلى أخرى متغيّراً مترقّياً، فإنّه مع ذلك كان من بداية النّطفة نوع الإنسان، وكذلك الإنسان من بدء تكوينه في رحم العالم كان نوعاً ممتازاً أيضاً، أي كان إنساناً وانتقل من هيئة إلى هيئة أخرى بالتّدريج، إذاً فتغيّر الهيئة وترقّي الأعضاء والنّشوء والنّمو لا يكون مانعاً من أصالة النّوع واستقلاله، هذا على فرض تصديق نشوء الأنواع وترقّيها، والحال أنّ الإنسان كان من البداية على هذه الهيئة والتّركيب الكامل، وكانت له قابليّة واستعداد لاكتساب الكمالات الصّوريّة والمعنويّة، وكان مظهر (لنعملنّ إنساناً على صورتنا ومثالنا) وغاية ما هنالك أنّه صار أحسن وأظرف وأجمل، وصارت المدنيّة سبباً في إخراجه من حالته الوحشيّة كأثمار الغابات الّتي تتربى بواسطة البستانيّ وتصير ألذّ وأشهى وأكثر لطافة وطراوة، وبستانيّو العالم الإنسانيّ هم أنبياء الله.

منقول من كتاب المفاوضات (حضرة عبد البهاء)

 

ما هي المحبة

نوفمبر 5, 2010

 

 

هو اللّه

ايّها المنجذب بنفحات اللّه

قد وصلنی تحريرک الاخير الدالّ علی فرط محبّتک لعبدالبهاء

و توکّلک علی اللّه و حسن نيّتک الصادقة فی خدمة أمر اللّه.

و نعم البيان ما کتبت فی ذلک التحرير الکريم بأنّکم تحتاجون فی تلک الديار

الی المحبّة و الالفة بين القلوب و الارواح.

هذا هو الحقّ و ما بعد الحقّ الّا الضلال.

 اعلم حقّ اليقين انّ المحبّة سرّ البعث الآلهی

و المحبّة هی التجلّی الرحمانی

المحبّة هی الفيض الروحانی،

 المحبّة هی النور الملکوتی،

 المحبّة هی نفثات روح القدس فی الروح الانسانی

 المحبّة هی سبب ظهورالحقّ فی العالم الامکانی،

المحبّة هی الروابط الضروريّة المنبعثة من حقائق الاشياء بايجاد الهی،

 المحبّة هی وسيلة السعادة الکبری فی العالم الروحانی و الجسمانی،

 المحبّة هی نور يهتدی به فی الغياهب الظلمانی،

المحبّة هی الرابطة بين الحقّ و الخلق فی العالم الوجدانی،

المحبّة هی سبب الترقّی لکلّ انسان نورانی

 المحبّة هی الناموس الاعظم فی هذا الکور العظيم الالهی،

المحبّة هی النظام الوحيد بين الجواهر الفرديّة

بالترکيب و التدبير فی التحقّق المادّی

المحبّة هی القوّة الکلّيّة المغناطيسيّة بين هذه السيارات

و النجوم الساطعة فی الاوج العالی،

 المحبّة هی سبب انکشافات الاسرار المودعة فی الکون بفکر ثاقب غير متناهی

 المحبّة هی روح الحيات لجسم الکون المتباهی

المحبّة هی سبب تمدّن الأمم فی هذا الحياة الفانی،

المحبّة هی الشرف الأعلی لکلّ شعب متعالی.

و اذا وفّق اللّه قوماً بها يصلّين

عليهم أهل ملأ الأعلی و ملائکة السماء و اهل ملکوت الأبهی

 و اذا خلت قلوب قوم من هذه السنوحات الرحمانيّة المحبّة الآلهيّة

سقطوا فی أسفل درک من الهلاک و تاهوا فی بيداء الضلال

و وقعوا فی وهدة الخيبة و ليس لهم خلال

 أولئک کالحشرات العائشة فی أسفل الطبقات.

يا احبّاء اللّه

کونوا مظاهر محبّة اللّه و مصابيح الهدی فی الآفاق

 مشرقين بنور المحبّة و الوفاق

و نعم الاشراق هذا الاشراق.

 يا عزيزی عليک بأن تطبع هذا الکتاب و تنشره بين الاحباب فی أمريکا

حتّی يتّحدوا و يتّفقوا و يحبّوا بعضهم بعضاً

بل يحبّوا جميع البشر

 
و يفادوا أرواحهم بعضهم بعضاً.

هذا سبيل البهاء، هذا دين البهاء و هذا شريعة البهاء.

و من ليس له هذا فليس له نصيب من البهاء

 و عليکم التحيّة و الثناء

ع‌ع

 ١٣ رجب سنة ١٣٢٠

 

السّرور الأبديّ

نوفمبر 1, 2010

في يوم السّبت الموافق 8 أيلول 1911 اجتمع في منزل مسز بكنام في لندن جمع غفير من النّاس حتّى غصّ المنزل بالحاضرين، فتقدّم بعضهم بالاعتذار إلى حضرة عبد البهاء أنّ المنزل صغير لا يتّسع لجميع الأحبّاء، فقال:

        ليس المنزل ضيقًا، وإنّما ينبغي أن تكون الصّدور واسعة.

        عندما بلغنا عكّا، نزل ثلاثة عشر شخصًا منّا في غرفة واحدة أوّل الأمر. أسأل الله أن يمنّ على القلوب بالانشراح، وأن يوسّع على أحبّائه، ولا يمكن أن يتأتّى انشراح القلوب إلا بمحبّة الله. وبالرّغم من أنّ الانشراح قد يحصل من أمور أخرى إلاّ أنّه انشراح عرضيّ مؤقّت سرعان ما يتبدّل بالضّيق. وأمّا السّرور والانشراح اللّذان يتأتّيان من محبّة الله فأبديّان. على أنّ لجميع المسرّات والملذّات الدّنيويّة بريقًا خلاّبًا عن بعد، فإذا اقتربت منها وجدتها سرابًا خداعًا لا حقيقة فيه.

        ولا شكّ أنّكم قرأتم في حكمة سليمان أنّه قال: عندما كنت طفلاً كنت أظنّ أنّ اللّذّة في الرّكوب والتّرحال. فلما بلغت الشّباب ورأيت أنّه لا لذّة في النّزهة والرّكوب والتّرحال قلت لنفسي بل اللّذّة في السّلطة والاقتدار والحكم. فلما بلغت السّلطة وجدتها هي الأخرى لا لذّة فيها. وكذلك كان شأن كلّ شيء يبدو لنظري برّاقًا. فإذا ما بلغته لا أجد له لذّة. ففهمت أنّ السّرور هو في محبّة الله.

        وإذا كان سرور الإنسان في الصّحّة فإنّ الصّحّة قد تزول في يوم من الأيّام. فممّا لا شكّ فيه إذن أنّ الصّحّة ليست سببًا للسّرور. وإذا كان سرور الإنسان كامنًا في الثّروة فإنّ الثّروة قد تزول. وإذا كان سروره في المنصب فإنّ المنصب قد يضيع من يده. وطالما كان السّبب قابلاً للزّوال كان المسبِّب كذلك زائلاً. ولكن عندما يكون سبب السّرور هو الفيض الإلهيّ، يكون ذلك السّرور أبديثأأأبديًّا، ذلك لأنّ الفيوضات الإلهيّة أبديّة. ولمّا كانت محبّة الله أبديّة، فإنّ الإنسان إذا تعلّق قلبه بالفيض الإلهيّ استقرّت في قلبه المحبّة الإلهيّة وكان سروره أبديًّا. وما تعلّق القلب بالأمور الفانية إلاّ ارتدّ يائسًا آخر الأمور، إلاّ محبّة الله ومحبّة العالم الإنسانيّ.

        وإنّكم ينبغي لكم أن تشكروا الله لأنّه فتح أمام وجوهكم أبواب الملكوت، ولأنّه دعاكم إلى محبّة الله وخدمة العالم الإنسانيّ، وإنّ لكم أبًا مثل بهاء الله الّذي أحاط فيضه بالعالم. إذًا ينبغي لكم أن تشكروا الله آناء اللّيل وأطراف النّهار على أنّكم فزتم بهذا الفيض المحيط.